في أول محاضرة لنا في كلية الطب سألتنا أستاذة الهيستولوجي الوقورة كيف نعرف الكائن الحي من الجماد ؟
وتعددت اﻹجابات العلمية. وها أنا اليوم الأحد الموافق 20 أبريل 2025 والموافق عيد القيامة أقول أن تعريف الكائن الحي هو ذاك الكائن الذي يملك مشاعر.
سواء بدائية أو معقدة فهذا شأن آخر.
وفي مجال الطب النفسي وتطوره نجد للأسف أن أشهر المدارس العلاجية لا تولي أهمية لائقة بموضوع المشاعر. بل أن أشهر مدرسة قدمت اﻷفكار والمعتقدات قبل المشاعر.
في هذه المقالة القصيرة أشرح بعض المفاهيم عن المشاعر استوقفتني وودت أن أشاركها معكم.

1- اﻵثار طويلة المدى للإيذاءات العاطفية والوجدانية , يمكن أن تكون بنفس مقدار اﻹيذاءات الجسدية أو أكثر.
للأسف غالباً لا تؤخذ اﻹساءات العطفية على محمل الجد ﻹنها غير مرئية وقد لا نلمسها.
شدة الآثار طويلة المدى ﻷي نوع من أنواع اﻹساءات لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض. فالإساءة العاطفية تشبه اﻹساءة الجسدية في إنها تضعف بشكل منهجي ومنظم ثقة الشخص بنفسه وقيمته ومفهومه عن ذاته. أما أشكال اﻹساءة العاطفية فعلى سبيل المثال لا الحصر السيطرة , والتهديد, واﻹهانة و التقليل من شأن الآخرين والنقد والصراخ والهجر والخداع واﻹستغلال والكثير غيرهم.
2- المشاعر تدوم أكثر من اﻷحداث وذكرياتها التي أوجدتها.
فنحن نأخذ مشاعر الماضي ونسقطها أو نطبقها على حياتنا الحالية . مما يعني إننا إذا لم نعالج الماضي ” بمشاعره وذكرياته ” قد نظل تحت سيطرته. فمخاوفنا غير المنطقية وقلقنا اليومي الشديد يمكن إرجاعهما إلى سبب ما قد يكون في الماضي وهو مايجب معالجته لوقف تأثيره علينا بفعالية.
3- اﻹبداع والمعاناة.
بضغطات بسيطة على لوحة المفاتيح والبحث عن ” رحم المعاناة ” واﻹبداع سنجد عشرات المقالات ومئات المبدعين حول العالم كانوا يعانون من شيء ما. وكما قال أبو الطيب المتنبي :
“ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ”
ربما لا يكون بيت الشعر هذا هو أحسن تعبير عن علاقة اﻹبداع بالمعاناة. ولكن اﻷشخاص المبدعون يصابون باﻹكتئاب لسبب ما . و في هذه النقطة لن نحلل أيهما أسبق في الوجود اﻹكتئاب أم اﻹبداع. ولكن من وجهة النظر التشريحية الحيوية ( البيولوجية ) فالتعبير عن المشاعر السلبية وتجربتها مرتبط بنشاط القشرة الجبهية اليمنى (وكذلك في هياكل أخرى مثل اللوزة الدماغية)
right frontal cortex and amygdala
وهي نفس المناطق التي تُنشَّط عند اﻹبداع المستمر. وبتعبيرات فلسفية فالهدف من اﻹبداع في هذه المرحلة هو محاولة إضفاء معنى مجرد على واقع ملموس لتجربة حية.
لكن بلا أدنى شك فالمعاناة ليست شيئا نسعى إليه.

4- الخوف لا يعني الرغبة في الهروب بقدر ما قد يعكس فضولاً وإهتماماً.
هذه النقطة قد لا تبدو مفهومة ولكنها تحتاج قدراً من التأمل.
Believe or not , The emotion most associated with fear is interest.
يا للهول . هل تأملت فيها ؟
فقيل إن للخوف وجهين خفيين: وجهٌ يريد الهروب، وآخر يريد الاستقصاء. هذا يعني أنه لا شيء “مخيف” لنا عمومًا إلا إذا أراد جزءٌ منا فهمه، وعرف أننا جزءٌ منه، وشعر وكأنه سيصبح جزءًا من تجربتنا.
فأنت مما تخاف ؟ ماذا يقول لك خوفك ؟ ولكن قبلاً هل توافق على ما جاء في هذه النقطة ؟
5- إذا لم تكن سعيداً , فهل هذا معناه إنك فاشل ؟
العجيب هو أن الصحة السليمة هو أن تمتلك طيفاً متنوعاً من المشاعر. فحتى المشاعر التي نسميها سلبية هي مفيدة لنا.
هل واقعنا يقول أن بنية عقولنا وأجسادنا وأنفسنا مبنية فقط على الحفاظ على تجربة السعادة فقط ؟
اﻹجابة لا.
أو بمعنى آخر ليس من المفترض أن تكون سعيدًا طوال الوقت. عليك أن تستمع لما يخبرك به جسدك. المشاعر السلبية هي إشارة إلى أن هناك خطبًا ما. ليس من الضروري إصلاح الشعور، بل إصلاح ما يُوجّه انتباهك إليه.
6-هل تثق بأحاسيسك ؟ أو بلفظة أخرى حدسك ؟
هناك بالفعل من يقول أن مشاعرنا يمكنها أن تنبئنا بالمستقبل. ( يمكنك أن تتذكر تعبيرات مصرية عديدة تشير إلى هذا المفهوم).
في جامعة كولومبيا تم إجراء دراسة بخصوص ” تأثير عواطفنا على قراراتنا المستقبلية أو تنبؤاتنا ” وخلصت إلى أن اﻷشخاص الذين يثقون في مشاعرهم يستطيعون التنبؤ بالنتائج المستقبلية. ولأنهم يستغلون ذلك بإنتظام فإنهم يملكون نافذة على عقلهم اللاواعي subconscious mind وهذا العقل اللاواعي هو نبع من المعلومات غير الواعية.
https://academic.oup.com/jcr/article-abstract/39/3/461/1822598

يمكنك طبعاً أن تختلف مع هذه الدراسة , وتنتقدها وتفندها سواء في المحتوى أو إحصائياً, ولكن ربما ستظل الفكرة موجودة وهي بماذا يخبرنا حدسنا ؟
7- التوتر قد يكون من أخطر أنواع المشاعر وباﻷخص لو كان مستمراً فترة طويلة. ولكن للأسف غالباً ما يُهمَل أكثر من غيره من المشاعر.
واﻹسترخاء في هذه الحالة ليس شيئا ثانوياً أو شيء عليك فعله لتدليل نفسك , بل هو ضرورة وضرورة عاجلة ومهمة.
ﻹن التوتر يضعف كل أجزاءإنسانيتك , وهو مرتبط بشكل أو بآخر بأهم أسباب الوفاة حول العالم, مثل الحوادث والسرطان وأمراض القلب واﻹنتحار وغيرها.

8- استخدامنا المفرط والخاطئ لوسائل التواصل اﻹجتماعي يزيد من ألمنا وتوترنا ويجعلنا منفصلين عاطفياً
وهذه النقطة مرتبطة بما قبلها .
فالاستماع المستمر ومشاهدة مقاطع قصيرة من حياة الناس يدفعنا لتكوين فكرة محددة عن الواقع. و للأسف هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن الحقيقة. فنحن نشعر بقلق بالغ تجاه وسائل التواصل اﻹجتماعي ( وماإذا كنا نلتزم بالمعايير المتوقعة منا أم لا ) لدرجة أنا نبدأ في إعطاء اﻷولوية لوقت الشاشة على وقت حياتنا الحقيقي.
وحيث إننا كائنات تحتاج للحميمية اﻹنسانية سواء كانت رومانسية أم لا لنبقى على قيد الحياة , فإن وسائل التواصل اﻹجتماعي تصبح قوة ضارة بشكل متزايد في ثقافتنا.
9- اﻷلم اﻹجتماعي أشد قسوة وتدميراً من اﻷلم الجسدي.
وبالرغم من ذلك فنحن نختبر اﻷلم اﻹجتماعي ونستدعيه من ذاكرتنا مرات أكثر بكثير من أي ألم جسدي. فنحن نطرد من ذاكرتنا أي خبرة أو حادثة تسببت في ألمنا الجسدي مادامت هذه الذكرى لا تؤدي وظيفة حيوية لبقائنا.
أما اﻷلم اﻹجتماعي فهو يظل محفوراُ في عقولنا وأمخاخنا ونستدعيه باستمرار ﻹننا نريد أن نظل ” منتمين ” لهذه المجموعة أو القبيلة أو اﻷسرة أو الكيان لنبقى على قيد الحياة. فتبقى في اذهاننا ذكرى الخذلان والسخرية المجتمعية , واﻹذلال والرفض الذين تعرضنا لهم. بل تقوم الجماعات نفسها بالتذكير بفكرة الرفض والنبذ لكل من تسول له نفسه الخروج على أعراف القبيلة أو المجتمع.
10- أخيراً وليس آخراً لا يمكنك كبت أو نفي أو إلغاء مشاعرك بشكل إنتقائي.
بمعنى إنه لا يمكنك أن تخدر أو تتجاهل المشاعر السلبية فقط. فإذا خدرنا وتجاهلنا [ المشاعر الصعبة ] فبالتالي نحن نخدر ونمنع أنفسنا من الشعور بالسعادة واﻹمتنان و الرضا.
في كتابه
Daring Greatly
How the Courage to Be Vulnerable Transforms the Way We Live, Love, Parent and Lead

يقول Brene Brown بإنه لا يمكنك تخدير نفسك لتجربة شعورية معينة واحدة دون تخدير وإلغاء لبقية المشاعر والتجارب الوجدانية. لا يمكنك تجاهل الحزن دون أن تمنع نفسك من السعادة. هذا يعني أنه من الأفضل تجربة كل شيء، الجيد والسيئ. … ما رأيك في هذا الكلام ؟
لو ربطنا هذه النقطة بمقدمة المقالة , هل يمكنك تخدير وتغييب مشاعرك وتظل إنساناً , أو على اﻷقل كائن حي ؟
رأيك يهمني.
و أدعوكم لمطالعة هذه المقالة عن أغنية أراها عبقرية عن العلاقات ومشاعرها
تحياتي لك . ودعواتي لك بذكريات جميلة.