الأيام دي بيدور نقاش ساخن عن مسلسل ” الحشاشين ” لإنه بيتكلم بالعامية .
كان في مقالة منشورة على موقع
Medium
حتلاقوها هنا , أنصحكم بقرائتها .
و تدور حول الفكرة أم اللغة . هل اللغة وسيلة أم هدف ؟ ماذا لو وصل المعنى بدون أن يتبع قواعد اللغة العربية ؟ هل يمكن أن تكون قواعد النحو عائق في توصيل الفكرة ؟
فقلت أجرب أكتب بالعامية يمكن تكون أسهل و أسرع في الإنجاز .

المقصود بالمعالجة التلقائية في علم النفس
Automatic Processing
هو اﻷنشطة المعرفية السريعة نسبيا و إللي مش محتاجة مجهود معرفي أو عقلي كبير. يعني بتحصل بشكل تلقائي زي ما هو باين من اسمها خارج نطاق الإدراك الواعي و ده بيحصل لما نعمل حاجات مألوفة و عارفينها و بنمارسها بشكل متكرر .
لية المهام دي بقيت تلقائية و أوتوماتيكية ؟ علشان بنعملها بشكل متكرر من خلال المواقف الكثيرة إللي اتعلمناها يعني مش عايزة تركيز كبير أو نية واعية علشان ننجح في الحاجة إللي قدامنا .
زي إية ؟
زي القراءة و قيادة العربية أو العجلة أو السباحة أو إنك تتأمل في حاجات حواليك أو صورة جميلة بدون أي جهد معرفي منك . يعني حاجة سهلة في التنفيذ نسبيا .
خصائص العمليات التلقائية :
تعتبر المعالجة التلقائية عنصر مهم في أدائنا المعرفي بمعنى إن إحنا نقدر نعمل حاجات كثير بدون ما نحمًل زيادة على المخ بتاعنا أو قدراته الذهنية . و دي خصائص العمليات التلقائية :
1- اللاوعي : يعني مش محتاجة تحكم واعي فيها . عملنا الموضوع ده مليون مرة قبل كدة فبنعمله بشكل تلقائي بدون التركيز في كل الخطوات المطلوبة . فاكرين مثل قيادة العربية إللي قلناه فوق . نفس الفكرة . في البداية أنت بتبقى محتاج تركز و تتعلم طريقة القعدة و طرية التحكم في إيديك و رجليك و إزي تبص في المرايات المختلفة . و بعدين العملية دي كلها بتحصل بشكل تلقائي .
2- جهد بسيط . علشان كدة لما بنتعلم الحاجة و نبذل فيها مجهود كبير في اﻷول بعد كدة بنعملها لكن مش بتبقى محتاجة نفس القدر من المجهود إللي بذلنا أول مرة . و ده بينطبق سواء على المجهود العقلي أو المجهود البدني . فاكر أول مرة اتعلمت فيها القراءة و الكتابة و ماسكة القلم ؟
3- السرعة : العمليات التلقائية دي سريعة و بتنجز . أول ما بنتعرض لمثير أو فكرة أو إحتياج بنفذها بشكل روتيني تلقائي سريع . يعني لما تكون محتاج مثلا تكتب رقم تليفون . العملية دي بتحصل بسرعة ﻹن مش محتاج تتعلم الكتابة من أول و جديد . أو لما اتعلمت تكتب فرانكوأراب في البداية كانت صعبة و بعدين بقيت بتكتب بسرعة و تلقائية .
4- متعدد المهام . يعني تقدر تعمل أكثر من حاجة متعود عليهم و عارفهم في وقت واحد بدون مجهود أو تداخل كبير . زي ست البيت الشاطرة إللي بتعمل أكثر من حاجة في نفس الوقت و باتقان علشان الحاجات دي مش محتاجة مجهود و مش محتاجة تركيز كبير و بالتالي مش محتاجة موارد معرفية كبيرة .
أو مثلاً بتكون ماشي في الشارع ( يعني اتعلمت المشي ) و بعدين بتتكلم في التليفون ( اتعلمت مهارات تكنولوجية ) و بتشوف زميلك في نفس الوقت و بتصبح عليه .
5- لا يمكن نسيانها أو تعديلها بسهولة : زي ما بيقول المثل المصري بتاعنا التعليم في الصغر زي النقش على الحجر . فلما بتتعلم حاجة أو تتعود عليها يبقى علشان تغيرها أو تتخلص منها حتى بتكون محتاجة مجهود كبير ووقت . و دي زي حاجات كثيرة اتعلمتها زمان و أنت صغير و لما كبرت يا إما اكتشفت خطأها أو محتاجة تعديل علشان تناسب الزمن الجديد إللي إحنا فيه .
6- اﻷخطأ و التحيزات . نفس الفكرة إللي فاتت . بنبقى منحازين للي اتعودنا عليه . بنفكر و نتصرف بنفس الطريقة إللي يمكن كانت بتنجح زمان و إحنا صغيرين . أو بنكرر نفس السلوك في كل مرة بالرغم من اختلاف الزمن و اﻷشخاص و المواقف . يعني بنستسهل . بناخد قرارات غير صحيحة بناء على إللي اتعلمناه زمان مش بناء على الوضع الحالي .

طيب الكلام ده كله إية علاقته بيك يا دكتور شهير و بعلم النفس ؟
أقول لكم من خلال بعض الأمثلة و التجارب العلمية .
أولاً: في تجربة بتوضح الأفكار إللي فوق و هي تجربة ستروب . أو تأثير ستروب .
Stroop Effect
و هي تجربة معروفة . عن طريق إنه بيجيبلك كلمات بألوان مختلفة و بيطلب منك إنك تقول لون الكلمة مش الكلمة نفسها . زي كدة :
أزرق
أصفر
أخضر
أحمر
فالمفروض اﻹجابة حتكون : أحمر أخضر بنفسجي أسود ( بالترتيب ). لكن ﻹن المخ متعود على طريقة تفكير سهلة و تلقائية و المفروض إنها مش محتاجة مجهود فحيستسهل و يقرأ الكلمات . لغاية لما يجبر نفسه و يعمل مجهود و يشوف اللون مش الكلمة و علشان كدة اﻹستجابة بتحصل ببطء . و ده برضوا بيوضح مدى صعوبة منع اﻹستجابة التلقائية فور حدوثها .
ثانيا : في حاجة اسمها الاستدلالات
Heuristics
و دي حاجة كدة زي النماذج العقلية إللي اتعلمناها بشكل أو بآخر و بيبقى هدفها إن إحنا نفهم إللي بيحصل حوالينا سواء في المجتمع أو الكون بطريقة سهلة . و هي في واقع الأمر طريقة بدائية شوية لتصنيف الحاجات إللي حوالينا فنعرف الطيب من الخبيث وبناء عليه نأخذ قرارات بسرعة كفاءة .
و لية بسرعة علشان ده طبع فينا من أسلافنا ( نبقى نشوف النقطة دي بعدين ) و السبب التاني إن إحنا مش عايزين نبذل مجهود في التفكير . فبنستسهل إن إحنا نصدر أحكام بناء على تصوراتنا المسبقة للأشياء و الأشخاص و المواقف و كل حاجة .
زي إية ؟
1- مدى توفر النموذج جوة دماغك و سرعة الوصول إليه . فإحنا بنقدر خطورة أي موقف بناء على أول نموذج يجي في دماغنا و ممكن يحمينا من اي مخاطر . فمثلاً إذا كنت أول مرة تركب طائرة ممكن تستدعي بسهولة كل المشاهد ( النماذج ) و الأفلام إللي اتكلمت عن حوادث الطائرات أسرع من إنك تتخيل آلاف و ملايين رحلات الطائرات التي طارت بسلام .
2- تأثير الهالة . و ده شيء معروف و ملاحظ . فبمجرد رؤيتك لشخص وسيم أو جميل قد يتبادر لذهنك بأسرع و أسهل تصور إنه أيضاً على خلق و إنه غني و ذكي و دمه خفيف . وكل هذه الصفات جت في ذهنك علشان دي أسهل حاجة تصنف بيها الناس بناء على شكلها .
3- الإنطباع الأول , و ده برضوا شيء معروف و ملاحظ . مش بس في تعاملنا مع الأشخاص لكن حتى في المواقف العادية . فممكن تدخل محل و بناء على السعر الغالي اللي شوفته على أول قطعة عايز تشتريها ممكن تتوقع إن كل المحل أسعاره غالية . و في علم النفس الإجتماعي قدروا يثبتوا فكرة الإنحياز للإنطباع الأول في خلال 5 ثواني فقط ممكن يؤثروا على باقي حكمنا على الشخص . علشان كدة خلي بالك و إنت داخل إنترفيو من اول 5 ثواني في هيئتك و مشيتك و نظرتك و طريقة سلامك لإنهم حيحكموا عليك في بقية المقابلة .
ثالثا: في المهارات الحركية . زي ما قلنا قبل كدة الحاجات إللي اتعلمناها قبل كدة بنعملها بشكل تلقائي و ممكن نعمل مهام أخرى جنبها بدون ما تؤثر عليها . زي ركوب العجلة و سواقة العربيات و الجري و غيرها. كل المهارات الحركية دي بتم بدون وعي أو تركيز أو مجهود عقلي مننا .
رابعا : التحيزات الضمنية . يعني أول شيء يجي في دماغك لما تسمع عن جماعة معينة أو فرقة معينة بشكل لاواعي و غير مقصود و أحياناً مش بنبقى واخدين بالنا من وجود الإنحياز ده فبالتالي ممكن يؤثر على حكمك على الأمور و سلوكك و تصرفك . مثلاً إية أول شيء يجي في دماغك لما تسمع عن الصعايدة ؟ أو المصريين ؟ أو الصينيين , أو أي جماعة عرقية أو دينية أو حتى فرقة رياضية .
خامسا: التشوهات المعرفية و ده موضوع كبير في علم النفس المعرفي .
هي أفكار ومعتقدات تحتاج لتصحيح أو مبالغ فيها أو غير دقيقة تشوه تصورنا للواقع ، وغالبا بتساهم في اضطرابات الصحة العقلية زي القلق والاكتئاب.
زي إية ؟
– التفكير في كل شيء أو لا شيء: يا أبيض يا اسود . مافيش رمادي . مافيش احتمالات تانية مافيش حل وسط . الشخص إللي قدامي ده يا ملاك يا شيطان . لكنه في واقع الأمر هو إنسان . له درجات من الخير مختلفة ز
– التعميم المبالغ فيه أو المفرط . على سبيل المثال . إذا لم أوفق في إمتحان فأنا فاشل في حياتي . مع إنه مجرد إمتحان و العكس . لو أنا ناجح في موضوع معين فلابد أن أكون ناجحاً في كل حاجة تانية .
– التفكير الكارثي : الشخص إللي يتوقع الأسوأ دائماً .
– الشخصنة:
Personalization
سواء على نفسك أو على غيرك . على نفسك لما تحمل نفسك مسئولية حاجات هي مش في استطاعتك إنك تحلها .
على غيرك لما بتتجاهل إللي بيقولوا الشخص إللي قدامك و تدخل في نواياه . حيلة سهلة و سريعة و مش عايزة مجهود لتحليل افكاره أو محتواه .
– المرشحات العقلية يعني بتركز على جانب واحد من الموقف و تتجاهل الصورة الكلية للحدث . أقل نقطة بالنسبة لك قد تشوه كل الصورة و كل إللي بتحبه و كل إللي بتعيشه .
سادسا : التمهيد أو الربط غير الواعي . عارفين برامج التسلية بتاعت رمضان لما بيجبوا شخص مشهور و يقولولوا لما تشوف الصورة أو تسمع الكلمة دي إية أول حاجة بتيجي في ذهنك ؟ هو ده الربط أو التميهد . مخنا علشان يسهل على نفسه الحياة و ما يبذاش كجهود كبير عمل ربط غير واعي بين أشياء كثيرة . يعني لو سألنا حد مصري أول ما تسمع كلمة الساحل إية أول حاجة حتيجي في ذهنك ؟ و هكذا .

طيب دلوقتي إحنا حسينا إن إحنا علشان نريح نفسينا و مخنا عملنا العمليات التلقائية أو اﻷوتوماتيكية دي هل معنى كدة إنه مالهاش أي فوائد أو مميزات ؟
ﻷ ليها زي إية ؟
المميزات:
1- في المواقف إللي محتاجة رد فعل سريع و تلقائي بدون تحليل ﻹنه بسبب يا إما الموقف بيشكل ضغط و توتر علي و محتاج إني أعتمل معه بسرعة أو إنه موقف خطير . هنا بتبرز فكرة العمليات التلقائية وفقاً للغريزة و غريزة حب البقاء و الحياة علشان تتفادى هذه المواقف و بعدين لما الخطر يعدي نبقى نقعد و نحلل الموقف و إللي لينا و إللي علينا .
و دي خاصية موروثة فينا منذ القدم . لما كنا بنعيش في الظلام و في كائنات مفترسة حوالينا .
2- لما الحدث بيتكرر أكثر من مرة و بنبقى أكثر خبرة في الحصول على نفس النتائج شيء طبيعي بيبقى عندنا ردود أفعال تلقائية و أوتوماتيكية علشان ما نستخدمش ونرهق مخنا على الفاضي . و ده بيفسر حاجات كثيرة لنجاح كثير من اﻷشخاص إللي بتعيش في الغرب بقوانينه الروتينية و نمطه المتكرر يومياً في كل المواقف على عكس الكثير من البيئات العشوائية التي لا يمكن التوقع فيها بنتيجة الموقف . حتى في اﻷلعاب إللي بتحتاج لقدر كبير من المجهود العقلي زي الشطرنج في بدايات الماتش تستطيع أن تجد العشرات من الخطط المحفوظة التي يمكن أن تلعبها بشكل تلقائي بدون تفكير عميق أو مجهود ذهني .
و اﻷمر نفسه ينطبق على البيئة و المجتمع المحيطين بنا . و إعتادنا أن نصف المنظر الجميل مريح للعين بعكس القبح و العشوائية .فالقبح و العشوائية بيتطلبوا مجهود حتى نفهمها و حتى نعيد ترتيبها في أذهاننا .
3- الميزة إللي إتكلمنا عنها فوق و هي إنك تقدر تعمل أكثر من حاجة بدون التفكير فيهم كلهم .
و دلوقتي جه دور السلبيات :
الراحة التي يحتاجها المخ في المعالجة التلقائية مش ببلاش و ليها ثمن .
1- و أول ثمن هو التسرع و الخطأ . و دي شيء طبيعي و مفهوم . علشان في حاجات كثيرة في الحياة محتاجة تأني و تفكر و تدبر و ما ينفعش نعتمد على التفكير اﻷوتوماتيكي .
و المثال الشهير هو إنك ممكن تتكلم في التليفون و أنت بتسوق لكن ده ليه ثمن لا قدر الله .
2- و العيب الثاني هو إنها مش بتتغير بسهولة . فاكرين المثل إللي قلناه فوق من إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر . ففي عادات كثيرة اترسخت جوانا على مدار سنين لغاية لنا بقت حاجات أوتوماتيكية صعب إن إحنا نغيرها . طريقة الكتابة إللي اتعلمتها و أنت صغير . طريقة تعاملك مع الضغوط . كيفية قضائك لوقتك . و حتى جزء أصيل في علاج اﻹدمان هو فك اﻹرتباط الشرطي إللي عشش جوة دماغك . بين حاجات معينة أو مواقف أو أشخاص و بين إنك تتعاطى في الوقت ده .
و ده بيعلمنا إية الحاجة إللي أنت حتزرعها في أولادك و إية العادات إللي حتعلمهالهم .
و ده بيوصلنا إلى إن إحنا نتعلم حاجة جديدة في علم النفس المعرفي و إن كان بشكل نظري.
قسم طرق تفكيرنا و تعاملنا مع الحياة إلى نظامين في كتابه Thinking, Fast and Slow.
النظام اﻷول 1 في التفكير . System 1 Thinking
هو طريقة التفكير السريعة، و التلقائية، و المتكررة، والعاطفية،و اللاواعية، و نمطية.
مش محتاج مجهود ذهني أو طاقة كبيرة للمخ و غالباً ما يكون معرض للخطأ . و ده إللي اتكلمنا عنه فوق .و بيتسخدم اختصارات عقلية للتعامل مع الواقع و بيبقى مدفوع بعقلنا الباطني أو بحدسنا .
النظام الثاني 2 في التفكير . System 2 thinking
بيبقى قرارنا مبني على طريقة تفكير بطيئة، و محتاجة جهد، و مش متكررة يعني محتاج أتعامل مع الموقف مش بناء على خبراتي السابقة ، ومنطقية، وحسابية، وواعية فيمكن أن تكون أقل عرضة للخطأ من النظام اﻷول .
ختاماً , في واقع اﻷمر من الصعب أن نتخلى عن نظام من النظامين . فإحنا محتاجين النظامين . النظام اﻷول علشان نتعامل مع اﻷخطار و ننقذ حياتنا بسرعة كوسيلة من وسائل البقاء . و النظام التاني علشان ننمو و نكبر في الحياة و لا نعيش فقط بغرائزنا .
المهم إمتى تستخدم كل نوع من النوعين .
تحياتي .