تطورت العلاجات الإنسانية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال خمسينيات القرن العشرين. اقترح كارل روجرز Carl Rogers أن العلاج يمكن أن يكون أبسط وأكثر دفئاً وتفاؤلاً من ذلك الذي يقوم به علماء النفس السلوكيون أو النفسيون الديناميكيون Psycho-dynamic psychologists.
يختلف رأيه بشدة عن المناهج النفسية الديناميكية والسلوكية في أنه اقترح أن العملاء سيحصلون على مساعدة أفضل إذا تم تشجيعهم على التركيز على فهمهم الذاتي الحالي بدلاً من التركيز على دافع لا واعٍ أو تفسير شخص آخر للموقف.
لماذا العلاج المتمركز حول الشخص؟
كان روجرز يؤمن بشدة بأن المعالجين يجب أن يكونوا دافئين وصادقين ومتفهمين لكي تتحسن حالة العميل. إن نقطة البداية في منهج روجرز للإرشاد والعلاج النفسي يمكن التعبير عنها بشكل أفضل من خلال روجرز نفسه:
“إن الفرد يمتلك في داخله موارد هائلة للفهم الذاتي، ولتغيير مفهومه عن ذاته، ومواقفه وسلوكه الموجه ذاتياً – وأن هذه الموارد يمكن الوصول إليها إذا تم توفير مناخ محدد من المواقف النفسية الميسِّرة” (1980، ص 115-117). A Way of Being

رفض روجرز (1961) الطبيعة الحتمية لكل من التحليل النفسي والمدرسة السلوكية، وأكد أننا نتصرف كما نفعل بسبب الطريقة التي ندرك بها موقفنا. أوكما قال هو : “وبما أنه لا أحد غيرنا يمكنه معرفة كيف ندرك الأمور، فنحن أفضل الخبراء لأنفسنا.”
وإيماناً منه بأن النظرية يجب أن تنبثق من الممارسة وليس العكس، طور روجرز نظريته استناداً إلى عمله مع الأشخاص المضطربين عاطفياً emotionally troubled people، وادعى أن لدينا قدرة ملحوظة على الشفاء الذاتي والنمو الشخصي المؤدي إلى تحقيق الذات.
وقد ركز على إدراك الشخص الحالي وكيف نعيش في الحاضر والآن Here and now.
لاحظ روجرز أن الناس يميلون إلى وصف تجاربهم الحالية بالإشارة إلى أنفسهم بطريقة ما، على سبيل المثال، “لا أفهم ما يحدث” أو “أشعر بشكل مختلف عما كنت أشعر به من قبل.”
يعد مفهوم الذات Self-Concept محورياً في نظرية روجرز (1959). ويُعرَّف بأنه “مجموعة منظمة ومتسقة من التصورات والمعتقدات حول الذات.” ويتكون من جميع الأفكار والقيم التي تميز “الأنا” و”نفسي” “I” and “me ويشمل إدراك وتقييم “ما أنا عليه” و”ما يمكنني فعله.”
وبالتالي، فإن مفهوم الذات هو مكون مركزي في تجربتنا الكلية ويؤثر على كل من إدراكنا للعالم وإدراكنا لأنفسنا. على سبيل المثال، المرأة التي تدرك نفسها على أنها قوية قد تتصرف بثقة وترى أفعالها كأفعال يقوم بها شخص واثق.
ومع ذلك، فإن مفهوم الذات لا يتطابق دائماً مع الواقع، وقد تختلف طريقة رؤيتنا لأنفسنا اختلافاً كبيراً عن كيفية رؤية الآخرين لنا.
على سبيل المثال، قد يكون الشخص مثيراً للاهتمام بالنسبة للآخرين ومع ذلك يعتبر نفسه مملاً. فهو يحكم ويقيّم هذه الصورة التي لديه عن نفسه كشخص ممل، وستنعكس هذه القيمة في تقديره لذاته.
قد تتمتع المرأة الواثقة بتقدير ذاتي مرتفع، في حين أن الرجل الذي يرى نفسه مملاً قد يكون لديه تقدير ذاتي منخفض، على افتراض أن القوة/الثقة هي قيم عالية وأن كونك مملاً ليس كذلك.

النهج المتمركز حول الشخص
ملاحظة: يُسمى العلاج المتمركز حول الشخص أيضاً بالعلاج المتمركز حول العميل، والعلاج الروجري نسبة لكارل روجر.
يدخل الشخص العلاج المتمركز حول الشخص في حالة من عدم التوافق. ودور المعالج هو عكس هذا الوضع. أطلق روجرز (1959) على نهجه العلاجي اسم العلاج المتمركز حول العميل أو العلاج المتمركز حول الشخص بسبب التركيز على وجهة نظر الشخص الذاتية للعالمperson’s subjective view of the world.
أحد الفروق الرئيسية بين المرشدين الإنسانيين والمعالجين الآخرين هو أنهم يشيرون إلى الأشخاص في العلاج باسم “العملاء” وليس “المرضى”. وذلك لأنهم يرون المعالج والعميل كشركاء متساوين وليس كخبير يعالج مريضاً.
على عكس العلاجات الأخرى، فإن العميل هو المسؤول عن تحسين حياته، وليس المعالج. وهذا نهج مختلف عن التحليل النفسي والعلاجات السلوكية، حيث يتم تشخيص المريض وعلاجه من قبل الطبيب.
بدلاً من ذلك، يقرر العميل بوعي وعقلانية لنفسه ما هو الخطأ وما يجب فعله حياله. المعالج أشبه بصديق أو مستشار يستمع ويشجع على مستوى متساوٍ.
أحد الأسباب التي جعلت روجرز (1951) يرفض التفسير interpretation هو اعتقاده أنه على الرغم من أن الأعراض تنشأ من التجارب السابقة، إلا أنه من الأكثر فائدة للعميل أن يركز على الحاضر والمستقبل بدلاً من الماضي.
بدلاً من مجرد تحرير العملاء من ماضيهم، كما يهدف المعالجون النفسيون الديناميكيون إلى فعله، يأمل الروجريون في مساعدة عملائهم على تحقيق النمو الشخصي وفي النهاية تحقيق الذات.
هناك غياب شبه تام للتقنيات في العلاج النفسي الروجري بسبب الطابع الفريد لكل علاقة إرشادية. ومع ذلك، فإن جودة العلاقة بين العميل والمعالج هي ذات أهمية قصوى.
العلاقة العلاجية… هي المتغير الحاسم، وليس ما يقوله المعالج أو يفعله.
إذا كانت هناك أي تقنيات، فهي الاستماع، والتقبل، والفهم، والمشاركة، والتي تبدو موجهة نحو المواقف attitude-orientated أكثر من كونها موجهة نحو المهارات.
في رأي كوري (1991)، “يُنظر إلى الانشغال باستخدام التقنيات [من وجهة النظر الروجرية] على أنه يجرد العلاقة من طابعها الشخصي.”


يؤكد نهج روجرز المتمركز حول العميل على وصول الشخص إلى فهم مناسب لعالمه ولنفسه.
اعتبر روجرز كل شخص “فرداً يمكن تأهيله” “potentially competent individual”
يمكن أن يستفيد بشكل كبير من شكل العلاج الخاص به.
يهدف العلاج الإنساني لروجرز إلى زيادة مشاعر تقدير الذات لدى الشخص، وتقليل مستوى عدم التطابق بين الذات المثالية والذات الفعلية، ومساعدة الشخص على أن يصبح شخصاً أكثر فاعلية بشكل كامل.
الشروط الأساسية للعلاج المتمركز حول العميل
يعمل العلاج المتمركز حول العميل وفقاً لثلاثة مبادئ أساسية تعكس موقف المعالج تجاه العميل:
– أن يكون المعالج متوافقاً مع العميل. congruent
– أن يقدم المعالج تقديراً إيجابياً غير مشروط. unconditional positive regard.
– و أن يُظهر فهماً وتواجداً مع العميلempathetic
1- التوافق في المشورة: Congruence in Counseling
يُسمى التوافق أيضاً بالأصالة genuineness. وفقاً لروجرز، يعد التوافق السمة الأكثر أهمية في الإرشاد.
يعني هذا أنه على عكس المعالج النفسي الديناميكي الذي يحافظ عموماً على “شاشة فارغة” ويكشف القليل من شخصيته في العلاج، فإن المعالج الروجري حريص على السماح للعميل بأن يختبره كما هو في الواقع.
ليس لدى المعالج واجهة مصطنعة (مثل التحليل النفسي)؛ أي أن التجارب الداخلية والخارجية للمعالج هي واحدة. باختصار، المعالج أصيل وحقيقي. Authentic
2- التقدير الإيجابي غير المشروط
الشرط الأساسي الروجري التالي هو التقدير الإيجابي غير المشروط. آمن روجرز أنه لكي ينمو الناس ويحققوا إمكاناتهم، من المهم أن يتم تقديرهم كما هم.
يشير هذا إلى الرعاية العميقة والحقيقية من المعالج للعميل. قد لا يوافق المعالج على بعض تصرفات العميل، لكنه يتقبل العميل نفسه. باختصار، يحتاج المعالج إلى موقف “سأتقبلك كما أنت.”
وبالتالي، يحرص المشير المتمركز حول الشخص دائماً على الحفاظ على موقف إيجابي تجاه العميل، حتى عندما يشعر بالاشمئزاز من تصرفات العميل.
3- المواجدة
المواجدة هي القدرة على فهم ما يشعر به العميل. يشير هذا إلى قدرة المعالج على فهم تجربة العميل ومشاعره في الحاضر والآن بشكل حساس ودقيق [ولكن ليس بشكل تعاطفي].
جزء مهم من مهمة المشير المتمركز حول الشخص هو متابعة ما يشعر به العميل بدقة وإيصال أن المعالج يفهم ما يشعر به.
وبحسب كلمات روجرز (1959)، فإن الفهم والمواجدة الدقيق هو كما يلي:
“حالة المواجدة The state of empathy، أو أن تكون متفهماً، هي أن تدرك الإطار الداخلي لمرجعية الآخر بدقة، بما فيه من مكونات عاطفية ومعاني مرتبطة به، كما لو كنت أنت ذلك الشخص، ولكن دون أن تفقد أبدًا شرط ‘كما لو‘.
وبالتالي، هذا يعني أن تشعر بألم أو متعة الآخر كما يشعر بها هو، وأن تدرك أسباب ذلك كما يدركها هو، ولكن دون أن تفقد أبدًا الإدراك بأن الأمر يبدو‘كما لو‘ كنت أنت من يتألم أو يفرح وما إلى ذلك. إذا فقدت هذه الصفة ‘كما لو’، فإن الحالة تصبح حالة تَـماهٍ (توحد بالآخر).” (ص.140). من كتاب
A Way of Being
هذا النص يوضح الفرق بين المواجدة الحقيقية، حيث تبقى مدركًا لحدودك الشخصية، وبين التماهي، حيث تذوب في مشاعر الآخر وتفقد التمييز بين ذاتك وذاته.

تقنيات شائعة في العلاج المتمركز حول الشخص:
1. وضع حدود واضحة:
على سبيل المثال، تحديد متى وكم المدة التي تريد أن تستغرقها الجلسة. قد ترغب أيضًا في استبعاد مواضيع معينة من النقاش.
هذه التقنية تساعد في خلق بيئة آمنة ومنظمة للعلاج، حيث يشعر العميل بالاحترام والوضوح في المسيرة العلاجية.
2. العميل هو الأكثر معرفة
العميل هو الخبير في صعوباته الخاصة. من الأفضل ترك العميل يشرح ما يعانيه. لا تقع في فخ إخباره بمشكلته أو كيف يجب عليه حلها.
3. كن صداه
إحدى التقنيات المفيدة هي الاستماع بعناية إلى ما يقوله العميل، ثم محاولة شرح ما تعتقد أنه يخبرك به باستخدام كلماتك الخاصة.
هذا لا يساعدك فقط على توضيح وجهة نظر العميل، بل يمكن أن يساعد العميل أيضًا على فهم مشاعره بشكل أفضل والبدء في البحث عن طريقة بناءة للمضي قدمًا.
4. لا تكن حكماً Don’t be judgmental
قد يشعر بعض العملاء أن مشاكلهم الشخصية تعني أنهم أقل من “المثالي”. قد يحتاجون إلى طمأنتهم بأنهم مقبولون كما هم، ولن يواجهوا الرفض أو الاستنكار.
هذه التقنيات تعكس جوهر العلاج المتمركز حول الشخص، حيث يتم التركيز على احترام تجربة العميل وتوفير بيئة داعمة وغير ناقدة.
5. لا تتخذ القرارات نيابة عنهم
تذكر أن النصيحة هي هدية خطيرة. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يرغب بعض العملاء في تحمل مسؤولية اتخاذ قراراتهم الخاصة.
قد يحتاجون إلى تذكيرهم بأنه لا يمكن ولا ينبغي السماح لأي شخص آخر بالاختيار نيابة عنهم. لكن بالطبع، يمكنك مساعدتهم في استكشاف عواقب الخيارات المتاحة أمامهم.
6. ركز على ما يقولونه حقًا
في بعض الأحيان، لن يكون هذا واضحًا في البداية. غالبًا لن يخبرك العميل بما يزعجه حقًا حتى يشعر بالثقة تجاهك.
استمع بعناية – المشكلة التي يتم طرحها في البداية قد لا تكون المشكلة الحقيقية على الإطلاق.
هذه النقاط تعكس أهمية الاستماع الفعّال وتمكين العميل في عملية العلاج المتمركز حول الشخص.
7. كن صادقًا Be genuine
إذا قدمت وأظهرت نفسك فقط في دورك الرسمي، فمن غير المرجح أن يرغب العميل في الكشف عن تفاصيل شخصية عن حياته. فقد تحتاج أن تكشف عن بعض اﻷشياء عن نفسك , ليس بالضرورة حقائق، ولكن ربما مشاعرك أيضًا.
لا تخف من القيام بذلك – مع تذكر أنك لست ملزمًا بالكشف عن أي شيء لا تريد الكشف عنه.
8. تقبل المشاعر السلبية
قد يكون لدى بعض العملاء مشاعر سلبية تجاه أنفسهم أو عائلاتهم أو حتى تجاهك. حاول التعامل مع عدوانيتهم دون أن تأخذ الأمر بشكل شخصي، ولكن لا تتحمل الإساءة الشخصية.
9. طريقة حديثك قد تكون أكثر أهمية مما تقول
من الممكن أن تنقل الكثير من خلال نبرة صوتك. غالبًا ما يكون من المفيد إبطاء وتيرة المحادثة.
يمكن أن تكون الوقفات القصيرة، حيث يكون للعميل (ولك) وقت للتفكير في اتجاه الجلسة، مفيدة أيضًا.
هذه النقاط تعكس أهمية الصدق والتعاطف والتركيز على التفاعل الإنساني في العلاج المتمركز حول الشخص.
10. قد لا أكون الشخص الأفضل للمساعدة
معرفة نفسك وحدودك يمكن أن تكون بنفس أهمية فهم وجهة نظر العميل. لا يوجد معالج ينجح طول الوقت في هذه المدرسة العلاجية.
في بعض الأحيان، ستكون قادرًا على المساعدة، ولكنك لن تعرف أبدًا. تذكر أن الهدف من جلسة الاستشارة ليس أن تشعر بالرضا عن نفسك.
أهم نقطة في الموضوع . هو العميل وليس أنت. رضاء العميل وليس رضاءك عن نفسك. تحدي صعب.

التدريب والإشراف في العلاج المتمركز حول الشخص
في التدريب والإشراف، يتم التركيز على استخدام العلاقات المتمركزة حول الشخص لتحفيز النمو الشخصي وفهم الذات لدى المتدربين/المعالجين. الافتراض هو أن تحقيق الذات لديهم سينتقل إلى ممارسة أكثر فعالية.
الإشراف:
– الهدف الرئيسي هو تسهيل الوعي الذاتي والإتساق Congruence لدى المعالج.
– يأخذ المشرف أسلوبًا استكشافيًا ومرتكزًا على الشخص بدلاً من دور السلطة.
– يتمحور النقاش حول استكشاف تجارب وردود فعل المُشرف تجاه العميل، وذلك للكشف عن المواد الموجودة عند “حافة الوعي”.
– غالبًا ما تُستخدم التسجيلات الصوتية للجلسات لفهم ديناميكيات العلاقة.
– العلاقة الإشرافية نفسها تُعد نموذجًا للتقبل والتعاطف.
من المهم التركيز على تعزيز الوعي الذاتي لدى المعالج وفهم ديناميكيات العلاقة مع العميل.
الخلاصة
نظرًا لأن العلاج المتمركز حول الشخص يضع تركيزًا كبيرًا على الصدق والانقياد لقيادة العميل، فإنه لا يضع نفس التركيز على حدود الوقت والتقنيات كما يفعل المعالج النفسي الديناميكي.
فهناك فرق في النهج بين العلاج المتمركز حول الشخص والعلاج النفسي الديناميكي، حيث يتم التركيز على المرونة والعلاقة الإنسانية بدلاً من الهيكل الصارم
للمزيد عن كارل روجرز و مدرسته , يمكنك مطالعة هذه المقالة على هذا الرابط