كارل جوستاف يونج Carl Gustav Jung
العالم السويسري النفسي الذي لا يقل أهمية عن فرويد . و لكنه أقل صخباً منه . فكعادة المتأملين والمتصوفين لم ينل شهرة مثل فرويد . وأفكاره لم تلق رواجاُ أو حتى نقداً كافياً و بالأخص في عالمنا الشرقي. و ما ذاع منها تم تحريقه و تشويهه. و ربما مما ساهم في عزوف الناس عنه كما قلنا هو إنه إنسان متأمل و أفكاره لم يتم توظيفها في العلاج بشكل كاف.
و يكفي أن نذكر في هذا المقام الفارق بين نظرة فرويد و يونج لمفهوم الدين و الروحانية .
فبينما كان فرويد ينتقد الدين بشدة ، معتبرا أنه وهم وشكل من أشكال العصاب.
كان يونج على الناحية الأخرى يرى الدين والروحانية كمكونات حاسمة للتجربة الإنسانية ، وغالبا ما ترتبط بعملية التفرد والتعبير عن النماذج الأصلية من اللاوعي الجمعي. ( سنشرح فيما بعد هذه المصطلحات )
في هذه المقالة القصيرة سنتناول بشكل مختصر أهم افكاره. و هدفنا هو العلم لمجرد العلم .
كيف فسر يونج الشخصية الإنسانية ؟
في نظريته عن الشخصية فسرها بإنها ترتكز على التفاعل بين عدة مكونات .
1- العقل الواعي و اللاواعي. conscious and unconscious mind
2- النماذج الأولية العالمية.Universal Archetypes.
3- عملية التفرد Individuation Process.
4- و الأنواع النفسية Psychological types.
تؤكد النظرية على أهمية أن تتكامل الجوانب المختلفة للشخصية لكي يتم تحقيق الذات وذلك يشمل الديناميكيات العالمية والفردية.
سنوضح لاحقاً هذه المصطلحات .
هناك إختبار معروف لتقييم الشخصية اسمه ” مايرز –بريجز “
Myers-Briggs Type Indicator (MBTI) و هذا الإختبار مبني على أفكار و مبادئ يونج .
نموذج يونج للنفسية
كما أُصطلح فكرياً و فلسفياُ و ربما عقائدياً على التقسيمة الثلاثية للإنسان بدءاً من أبسط تقسيمة ( الجسد و النفس و الروح ) كذلك يونج لم يخرج عن هذا النهج الثلاثي. إلا إنه اختلف عن فرويد في أنواعها .
فقال إن النفس الإنسانية تتكون من عدد من الأنظمة المنفصلة و لكنها متفاعلة في نفس الوقت و هي :
الأنا.
اللاوعي الشخصي.
اللاوعي الجمعي .
وفقا ليونج ، تمثل الأنا العقل الواعي لأنها تضم الأفكار والذكريات والمشاعر التي يدركها الشخص.
الأنا مسؤولة إلى حد كبير عن مشاعر الهوية والترابط.
و يتفق فرويد مع يونج في أهمية اللاوعي . إلا إنه يختلف عنه في اعتباره إنه يتكون من طبقتين.
– الطبقة الأولى التي تسمى اللاوعي الشخصي هي في الأساس نفس نسخة فرويد من اللاوعي. يحتوي اللاوعي الشخصي على معلومات تم نسيانها مؤقتاً وكذلك ذكريات مكبوتة.
حدد يونج (1933) سمة مهمة من سمات اللاوعي الشخصي تسمى المجمعات Complexes.
المجمع عبارة عن مجموعة من الأفكار والمشاعر والمواقف والذكريات التي تركز على مفهوم واحد.
كلما زاد عدد العناصر المرتبطة بالمجمع ، زاد تأثيره على الفرد. اعتقد يونج أيضا أن اللاوعي الشخصي كان أقرب بكثير إلى السطح مما اقترحه فرويد وأن العلاج اليونجي أقل اهتماما بتجارب الطفولة المكبوتة.
إنه الحاضر والمستقبل ، والذي كان في رأيه إنه المفتاح لكل من تحليل العصاب وعلاجه.
اللاوعي الشخصي:
يشير اللاوعي الشخصي ، وهو مفهوم طوره كارل يونج ، إلى جميع المعلومات والتجارب في حياة الفرد التي تم نسيانها أو قمعها ولكنها تستمر في التأثير على سلوكه ومواقفه على مستوى اللاوعي.
يحتوي هذا الجانب من العقل اللاواعي على ذكريات وتصورات وأفكار قد لا يمكن الوصول إليها بوعي ولكن يمكن أن تصبح واعية(أي مدرَكة ) . ويشمل أيضا مجموعات معقدة من هذه المحتويات ، والتي أشار إليها يونج باسم “المجمعات“.
و هذه المجمعات عبارة عن ترابطات أو أفكار مشحونة مشاعرياً لها تأثير قوي على سلوك الإنسان و مواقفه .
على سبيل المثال، قد يكون لدى الشخص خوف من الكلاب بسبب حادثة منسية في مرحلة الطفولة. هذا الخوف، على الرغم من عدم تذكره بشكل واعي، يتم تخزينه في اللاوعي الشخصي ويمكن أن يسبب استجابة غير عقلانية عندما يواجه الشخص الكلاب.
في نموذج يونج لتفسير النفسية ، يتواجد اللاوعي الشخصي جنبا إلى جنب مع العقل الواعي واللاوعي الجمعي ، واللاوعي الجمعي يحتوي على نماذج أصلية عالمية مشتركة بين جميع البشر. تتفاعل هذه المكونات الثلاثة مع بعضها البعض وتساهم في تكوين شخصية الفرد وسلوكه بشكل عام.
“كل ما أعرفه، ولكنني لا أفكر فيه حاليًا؛ كل ما كنت واعيًا به ولكنني نسيته الآن؛ كل ما تدركه حواسي، ولكن لا يلاحظه عقلي الواعي؛ كل ما أشعر به، وأفكر، وأتذكره، وأريده، وأفعله، لا إراديًا ودون الاهتمام به؛ كل الأشياء المستقبلية التي تتشكل في داخلي، والتي سوف تأتي إلى الوعي في وقت ما؛ كل هذا هو محتوى اللاوعي” (يونج، 1921).
من المهم أن نلاحظ أن محتويات اللاوعي الشخصي ليست سلبية دائمًا. يمكن أن تكون أيضًا لها جوانب إيجابية أو محايدة من الخبرة التي سقطت ببساطة من العقل الواعي.
اللاوعي الجمعي :
يشير اللاوعي الجمعي، وهو مفهوم كارل يونج، إلى المعرفة والخبرات اللاواعية المشتركة والموروثة عبر الأجيال، والتي يتم التعبير عنها من خلال الرموز والنماذج العالمية المشتركة بين جميع الثقافات البشرية.
يتكون اللاوعي الجمععي من أشكال أو نماذج موجودة مسبقًا، والتي يمكن أن تظهر في الوعي في شكل أحلام أو رؤى أو مشاعر، ويتم التعبير عنها في ثقافتنا وفننا وديننا وتجاربنا الرمزية.
هذه النماذج الأولية هي رموز وموضوعات عالمية مشتركة بين جميع الثقافات والعصور الإنسانية. بعض الأمثلة على هذه النماذج الأولية تشمل الأم، والبطل، والطفل، والرجل العجوز الحكيم، والمحتال، وما إلى ذلك. يمثل كل نموذج أصلي الجوانب المشتركة للتجربة الإنسانية.
اللاوعي الجمعي هو نسخة عالمية من اللاوعي الشخصي، يحمل أنماطًا عقلية، أو آثار ذاكرة، والتي يتم مشاركتها مع أعضاء آخرين من الجنس البشري (يونج، 1928).
يتم تمثيل ذكريات الأجداد هذه، والتي أطلق عليها يونج النماذج الأولية، من خلال موضوعات عالمية في مختلف الثقافات، كما تم التعبير عنها من خلال الأدب والفن والأحلام.
كما يولد الإنسان في العالم , فالعالم أيضاً يولد فيه , بشكل افتراضي.
( ترجمة بتصرف ).
فوفقا ليونج، فإن العقل البشري له خصائص فطرية “منطبعة” فيه نتيجة للتطور. هذه الاستعدادات العالمية تنبع من ماضي أجدادنا.
من الأمثلة على مفهوم ” اللاوعي الجمعي ” الخوف من الظلام العناكب الثعابين و هذه الفكرة وجدت صداها في نظرية أخرى و هي نظرية ” التكييف الجاهز ” أو المحَضر للعالم سليجمان .
prepared conditioning (Seligman, 1971).
و بدخول مفهوم اللاوعي الجمعي لعلم النفس تميز و افترق يونج عن فرويد الذي كان جل تركيزه هو اللاوعي الشخصي و الرغبات المكبوتة داخل الشخص فقط .
النماذج الأصلية ل يونج : Jungian Archetypes
النماذج الأصلية أو الأولية أو البدائية يمكن تعريفها على إنها صور و موضوعات من اللاوعي الجمعي كما فسرها يونج .
و هذه النماذج الأولية لها معاني عالمية عبر الثقافات وقد تظهر في الأحلام أو الأدب أو الفن أو الدين.
و كما عبر يونج عام 1947 :
“لا يُقصد بمصطلح النموذج الأصلي الإشارة إلى فكرة موروثة، بل إلى طريقة عمل موروثة، يتوافق مع الطريقة الفطرية التي يخرج بها الفرخ من البيضة، ويبني الطائر عشه، ويلدغ نوع معين من الدبور ، والثعابين تجد طريقها إلى جزر برمودا. وبعبارة أخرى، فهو “نمط السلوك“. هذا الجانب من النموذج الأصلي، الجانب البيولوجي البحت، هو الاهتمام المناسب لعلم النفس العلمي .( بتصرف )
و بالرغم من محاولته للشرح في الفقرة السابقة إلا أن إنطباعي الشخصي أنا شهير هو إنه لا فارق بين الفكرة الموروثة و طريقة العمل الموروثة .
يعتقد يونج أن الرموز من الثقافات المختلفة غالبا ما تكون متشابهة جدا لأنها ظهرت من النماذج الأصلية المشتركة بين الجنس البشري بأسره والتي تشكل جزءا من اللاوعي الجمعي.
بالنسبة له ، يصبح ماضينا البدائي أساس النفس البشرية ، ويوجه السلوك الحالي ويؤثر عليه. وبالرغم من إنه حدد عدداً كبيراً من هذه النماذج الأولية أو الأصلية إلا إنه اهتم بأربعة منها على وجه الخصوص . و هي :
– الذات.
– الشخصية.
– الظل.
– الأنيما أو الأنيموس Anima / Animus
و نبدأ بشرح كل مفهوم منهم طبقاً لتصوره .
الشخصية: The Persona
الشخصية (أو القناع) هي الوجه الخارجي الذي نقدمه للعالم. إنه يخفي أنفسنا الحقيقية ويصفه يونج بأنه النموذج الأصلي ” للإمتثال “.conformity أو المطابقة .
هذا هو الوجه العام أو الدور الذي يقدمه الشخص للآخرين كشخص مختلف عما نحن عليه حقا
(مثل الممثل).
الشخصية ، كما أوضح كارل يونج ، هي جانب شخصيتنا الذي نقدمه للعالم كوسيلة للتكيف الاجتماعي والراحة الشخصية.
و نشئة كلمة “شخصية” ” Persona ” لها أصل مثير للاهتمام. وهو مصطلح لاتيني ، والذي يشير في الأصل إلى القناع الذي ُيستخدم في المسرح. وكانت هذه الأقنعة في العادة مصنوعة من الخشب أو الطين، وتغطي الرأس بالكامل، وكان يرتديها الممثلون في المسرح الروماني القديم.و امتد مفهوم الشخصية إلى ما هو أبعد من الأقنعة الجسدية ليمثل شخصيات مفترضة في العروض الدرامية.
و من هذا المفهوم التاريخي للفظة إنطلق يونج و غيره من علماء النفس في استخدامها للتعبير عن
” الشخصية ” Personality
فيمكنك التفكير في الشخصية على أنها “ممثل العلاقات العامة” للأنا لدينا ، أو العلبة التي نقدم فيها ( الأنا ) أو غرورنا إلى العالم الخارجي.
فالشخصية المتكيفة تساهم بشكل كبير في نجاحنا الإجتماعي ، لأنها تعكس سمات شخصيتنا الحقيقية وتتكيف مع السياقات الاجتماعية المختلفة.
ومع ذلك ، يمكن أن تنشأ المشاكل عندما يتعرف الشخص بشكل مفرط على شخصيته ، غير قادر على التمييز بين دوره المهني وذاته الحقيقية.
مثال على ذلك هو المعلم الذي يعامل الجميع باستمرار كما لو كانوا طلابه ، أو شخص يتمتع بسلطة مفرطة خارج بيئة عمله.
في حين أن هذا قد يكون محبِطا للآخرين ، إلا أنه أكثر إشكالية بالنسبة للفرد نفسه لأنه يمكن أن يؤدي إلى إدراك غير مكتمل لشخصيته الكاملة.
تتشكل الشخصية أثناء الطفولة ، مدفوعة بالحاجة إلى التوافق مع توقعات الآباء والمعلمين والأقران.
ينتج عن هذا عادة أن تشمل الشخصية السمات الأكثر قبولا اجتماعيا ، بينما تصبح السمات الأقل جاذبية جزءا من الظل ، وهو جزء أساسي آخر من نظرية يونج.
الأنيما/الأنيموس The Anima/Animus :
( لم أجد للأنيما أي ترجمة عربية معتمدة على مدار كل هذه السنين التي خرجت فيها أفكاره للنور و يبدو أن المترجمين العرب قد أرهقوا فكما أوضحت في مقالات سابقة و مناسبات عدة أن النصف الأول من القرن العشرين كان علم النفس له مصطلحات غريبة و عجيبة .و قد تكون أفكار يونج لم تخرج للنور العربي بعد . على أي الأحوال لا يوجد لها ترجمة عربية قريبة من فهمنا و ثقافتنا )
نموذج أصلي آخر هو الأنيما/الأنيموس. هي صورة معكوسة لجنسنا البيولوجي، أي الجانب الأنثوي اللاواعي عند الذكور والميول الذكورية عند النساء.
يُظهر كل جنس مواقف وسلوك الآخر بحكم قرون من العيش معًا.
بالنسبة للرجال، هناك أنيما (شخصية داخلية أنثوية)، وبالنسبة للنساء، هناك أنيموس (شخصية داخلية ذكورية). هذه النماذج مستمدة من الأفكار الجماعية للأنوثة والذكورة ومن التجارب الفردية مع الجنس الآخر، بدءًا من والدي الشخص.
توجد الأنيما والأنيموس في اللاوعي كموازنات للهوية الجنسية الواعية للشخص، وتعمل على استكمال تجربته وفهمه لجنسه.
مثل الظل، غالبًا ما تتم مواجهة الأنيما والأنيموس لأول مرة من خلال الإسقاط Projection.
على سبيل المثال، يمكن تفسير ظاهرة “الحب من النظرة الأولى” على أنها قيام رجل بإسقاط أنيما على امرأة (أو العكس)، مما يؤدي إلى انجذاب فوري وشديد.
اعترف يونج بأن ما يسمى بالسمات “الذكورية” (مثل الاستقلالية، والانفصال، والعدوان) والسمات “الأنثوية” (مثل الرعاية، والارتباط، والتعاطف) لم تكن مقتصرة على جنس واحد أو متفوقة على الآخر.
وبدلاً من ذلك، رآهم آجزاء من طيف نفسي شامل موجود في كل فرد، وهو ما يعارض نظرية فرويد التي تركز على الذكورة في الغالب.
تمثل الأنيما والأنيموس “غيريتنا” otherness، حيث تربط الأنا بالنفس بمفهومها الأوسع، وبالتالي تشكل جسورًا إلى اللاوعي.
إن التعامل مع هذه المجمعات يمكن أن يثري فهم الفرد لجنسه ونفسه.
الظل: The Shadow
من النماذج الأصلية أو الأولية التي حددها كارل يونج في نظريته.
و الظل باختصار هو عبارة عن الأجزاء التي في أنفسنا و التي قد نرفضها أو نتبرأ منها أو ببساطة لا نعترف بها.
و هو متجذر في كل من اللاوعي الشخصي والجمعي ، ويحتوي على سمات نعارضها بوعي ، وغالبا ما تتناقض مع تلك التي نظهرها في شخصيتنا – أي “القناع” الخارجي الذي نظهره للعالم.
هذا هو الجانب الحيواني من شخصيتنا مثل مفهوم ” الهو ” ID عند فرويد.
إنه مصدر طاقاتنا الإبداعية والتدميرية. و إذا ربطناه مع نظرية التطور فقد تعكس نماذج يونج الأصلية الميول التي كانت في يوم من الأيام ذات قيمة للبقاء على الحياة.
الظل ليس سلبيا فقط. إنه يوفر عمقا وتوازنا لشخصيتنا ، مما يعكس مبدأ أن كل جانب من جوانب شخصية المرء له نظير تعويضي.
و هذا ما يُرمز إليه في الفكرة: “حيث يوجد ضوء ، يجب أن يكون هناك ظل أيضا“.
يمكن أن يؤدي التركيز المفرط على الشخصية Persona ، مع إهمال الظل Shadow ، إلى شخصية سطحية ، منشغلة بتصورات الآخرين.
غالبا ما تظهر عناصر الظل عندما نسقط project سمات غير محبوبة لدينا على الآخرين ، وتكون بمثابة مرايا لجوانبنا المتبرأمنها. قد يكون التعامل مع الظل أمرا صعبا ، ولكنه أمر بالغ الأهمية لشخصية متوازنة.
هذه العملية ، التي تتضمن التعرف على هذه العناصر “المظلمة“ ودمجها في ذواتنا الواعية ، تساعد في تعزيز بناء شخصية متكاملة.
غالبا ما يتم استكشاف هذا التفاعل بين الشخصية والظل في الأدب ، كما هو الحال في الروايات العالمية مثل “دكتور جيكل والسيد هايد” “Dr. Jekyll and Mr. Hyde” و “صورة دوريان جراي“
“The Picture of Dorian Gray” ، أو في رواياتنا المصرية التي لا تقل عنهما عالمية و أقصد روايات نجيب محفوظ و على وجه الخصوص الثلاثية . ففي غالبية الشخوص سنجد هذه الإزدواجية و على رأسها طبعاً شخصية ” سي السيد ” حيث تتصارع الشخصيات مع طبيعتها المزدوجة ، مما يوضح الطبيعة المقنعة لهذا الجانب من نظرية يونج.
الذات The Self :
وأخيرا، هناك الذات التي توفر شعورا بالوحدة ( الإتحاد ) Unity في التجربة. بالنسبة ليونج ، فإن الهدف النهائي لكل فرد هو تحقيق حالة من الذاتوية State of selfhood ، وفي هذا الصدد ، يتحرك يونج ( مثل علماء النفس الإنسانيين )في اتجاه توجه أكثر إنسانية.
كان هذا بالتأكيد اعتقاد يونج وفي كتابه “الذات غير المكتشفة” “The Undiscovered Self” جادل بأن العديد من مشاكل الحياة الحديثة ناتجة عن “اغتراب الإنسان التدريجي عن أساسه الغريزي“. أحد جوانب هذا هو وجهات نظره حول أهمية الأنيما والأنيموس.
يجادل يونج بأن هذه النماذج الأصلية هي نتاج التجربة الجماعية للرجال والنساء الذين يعيشون معا.
ومع ذلك ، في الحضارة الغربية الحديثة ، يتم تثبيط الرجال عن عيش جانبهم الأنثوي والنساء من التعبير عن الميول الذكورية. بالنسبة ليونج ، كانت النتيجة تقويض التطور النفسي الكامل لكلا الجنسين.
جنبا إلى جنب مع الثقافة الأبوية السائدة في الحضارة الغربية ، أدى ذلك إلى التقليل من قيمة الصفات الأنثوية تماما ، وكما أدت هيمنة الشخصية أي (القناع) إلى ظهور النفاق في نمط حياة الملايين اليومية بطريقة لا يتطرق إليها الشك.
الأنواع النفسية Psychological Types :
تقترح نظرية الأنواع النفسية لكارل يونج أن الناس يختبرون العالم باستخدام أربع وظائف نفسية رئيسية
– التفهم ( الإلهام ) Senstaion
– الحدس Intuition
– الشعور ( العاطفة ) Feeling
– التفكير Thinking
وإن إحدى هذه الوظائف الأربع هي المهيمنة على الشخص في معظم الأوقات.
يمكن التعبير عن كل من هذه الوظائف الذهنية في المقام الأول في شكل انطوائي أو منفتح.
Introverted or Extroverted :
1- التفكير مقابل الشعور Thinking vs. Feeling :
تدور هذه الثنائية حول كيفية إتخاذ الناس للقرارات في حياتهم .
يتخذ الأفراد ” المفكرون ” القرارات بناء على المنطق والاعتبارات الموضوعية ، بينما يتخذ الأفراد “العاطفيون” القرارات بناء على القيم الذاتية والشخصية.
2- الفهم مقابل الحدس Sensing vs. Intuition :
تتعلق هذه الثنائية بكيفية إدراك الناس للمعلومات أو جمعها. يركز الأفراد “المتفهمون” على الحقائق الحالية والحقائق الملموسة والتفاصيل.
إنهم مفكرون عمليون وحرفيون. بينما يركز الأفراد “الحدسيون” على الاحتمالات والترابط والإمكانات المستقبلية. غالبا ما يكونون مفكرين مجردين ونظريين.
3- الإنبساط مقابل الإنطواء Extroversion vs Introversion :
تتعلق هذه الثنائية بالمكان الذي يستمد منه الناس طاقتهم.
المنفتحون ( الإنبساطيون ) موجهون نحو العالم الخارجي. إنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر انفتاحًا واجتماعيًة، ويستمدون الطاقة من التفاعل مع الآخرين والبيئة الخارجية.
أما الانطوائيون فهم موجهون نحو العالم الداخلي. إنهم يميلون إلى الهدوء والتحفظ، ويستمدون الطاقة من التفكير والمشاعر الداخلية والأفكار والتجارب.
و بالتالي في سياق هذه الثنائيات , فلكل شخص وظيفة نفسية بعينها تكون هي المهيمنة تميل إلى السيطرة على شخصيته و سلوكه و تصوراته عن الحياة, إلى جانب وظيفة أخرى ( مساعدة ) تعمل على دعم و ” موازنة ” الوظيفة المهيمنة. و هكذا تصبح الوظائف الأخرى أقل بروزاً.
و إختبار ” مايرز – بريجز ” Myers-Briggs Type Indicator (MBTI) هو إختبار لجرد الشخصية مبني في الأساس على أفكار يونج . فمن خلال الأسئلة يستخدم الإختبار إستبياناً لقياس التفضيلات النفسية في كيفية إدراك المرء لنفسه و للعالم و كيفية إتخاذ القرارات المختلفة .
التفرد ( التميز ) Individuation :
اقترح يونج أن الهدف من التطور النفسي للشخص هو التفرد – أي عملية إدراكه لذاته ، ودمج الجوانب المختلفة للشخصية ، وتحقيق إمكاناياته المتأصلة.
إنه ينطوي على دمج الأجزاء الواعية واللاواعية من أذهاننا والتوفيق بين تناقضاتنا الداخلية العديدة.
التفرد أو التميز هو مفهوم مركزي في علم النفس التحليلي لكارل يونج ويمثل عملية مستمرة مدى الحياة لتحقيق الذات وفهمها. إنها تعني بأن تصبح الشخص الذي من المفترض أن تكون عليه بالفطرة ، وأن تدرك و تحقق إمكاناتك الفريدة.
في عملية التفرد ، يسعى الفرد جاهدا لدمج الجوانب المختلفة من نفسيته. وهذا يشمل التوفيق ودمج الأضداد داخل الذات ، مثل العقل الواعي واللاواعي ، وكذلك الجوانب المختلفة للشخصية ، مثل الشخصية Persona (القناع أو الدور الذي نقدمه للعالم) والظل أي ( اللاوعي ، أو الجوانب غير المرغوب فيها لأنفسنا ).
يتضمن المفهوم أيضا الاعتراف بالأنيما ودمجها (الجانب الأنثوي اللاواعي عند الرجال) والأنيموس (الجانب الذكوري اللاواعي عند النساء) ، ودمج حكمة النموذج الأصلي للذات (المركز الموحد للنفس). فمن خلال هذه العملية ، يسعى الشخص إلى تحقيق حالة من الكمال والوئام.
من الناحية العملية ، قد تتضمن عملية التفرد التأمل الذاتي ، وتحليل الأحلام ، واستكشاف الرموز والموضوعات الشخصية ، والمشاركة الواعية مع الأجزاء اللاواعية من الذات. غالبا ما تكون رحلة تحويلية يمكن أن تنطوي على تغييرات نفسية كبيرة ونمو و تحرر عظيمين.
ومع ذلك ، فإن التفرد لا يتعلق بتحقيق شكل من أشكال الكمال. بدلا من ذلك ، يتعلق الأمر بالتعرف على الجوانب المختلفة للذات والاعتراف بها ودمجها.
وهذا يشمل احتضان مفارقات وتعقيدات الطبيعة البشرية وتطوير فهم وقبول الذات بما فيها من جروح و صديد و خبث وكل شيء.
من المهم أن نلاحظ أنه ، وفقا ليونج ، فإن التفرد هو عملية طبيعية وهدف متأصل في حياة الإنسان, ومع ذلك ، فإنه يتطلب أيضا جهدا واعيا ومشاركة نشطة مع اللاوعي لتحقيق هذه الإمكانات بشكل كامل.
الرغبة الجنسية في مفهوم يونج :
طور كارل جوستاف يونج (1948) فهما دقيقا لمفهوم الرغبة الجنسية Libido ، يختلف عن رفيقه سيغموند فرويد.
فبينما عرًف فرويد إلى حد كبير الرغبة الجنسية Libido على أنها طاقة جنسية sexual energy واعتبرها الدافع الأساسي للسلوك البشري ، انحرف يونجعن هذا التفسير ، ووسع تعريف الرغبة الجنسية Libido.
رأى يونج الرغبة الجنسية Libido ليس فقط كطاقة جنسية ، ولكن كقوة للحياة أو طاقة نفسية. فوفقا لنظريته ، فإن هذه الطاقة ليست فقط المحرك وراء رغباتنا الجنسية ولكنها تغذي أيضا مساعينا الروحية والفكرية والإبداعية. فهذه الطاقة هي مجمل طاقة الحياة ، وتدمج جميع دوافعنا وحوافزنا.
في علم النفس اليونجي Jungian ، تعتبر الرغبة الجنسية Libido مكونا مهما في التفرد
Individuation ، وهي عملية دمج الوعي مع اللاوعي .
هذه العملية هي المفتاح للنمو النفسي الشامل والصحة العقلية للفرد ، وتلعب الرغبة الجنسية ، باعتبارها الطاقة النفسية المحفزة ، دورا مركزيا فيها.
عندما يتعلق الأمر بالصراع والبحث عن المتعة ، فإن نظرية يونج تنظر إليهما على أنهما أجزاء من التنظيم الذاتي النفسي. فتستخدم النفس الرغبة الجنسية لموازنة الصراعات داخل الفرد ، والسعي نحو حالة من التوازن. فيتم توجيه هذه الطاقة نحو مناطق الصراع لتسهيل النمو والتظور والتكيف ، مما يقلل من التوتر الداخلي وعدم الرضا.
علاوة على ذلك ، فإن هذه الطاقة النفسية أو الرغبة الجنسية تدفعنا أيضا نحو البحث عن المتعة وإشباع رغبتنا في الإكتمال ، والتي تعد جزءا لا يتجزأ من تحقيقنا لذاتنا ونمونا.
يمكن ملاحظة ذلك في رغباتنا في الإبداع والتحفيز الفكري والتجارب الروحية ، من بين أمور أخرى.
وبالتالي ، فإن الرغبة الجنسية في نظرية يونج تشمل فهما أكثر شمولية لديناميكيات التحفيزية البشرية.
و في هذا فارق آخر عن فرويد . فبينما نظًر فرويد لمراحل النمو الجنسي المختلفة (الفموية، والشرجية، والقضيبية، والكمون، والتناسلية) بما لها من تأثير على نمو و تطور نفسية البالغين .
على الناحية الأخرى أكد يونج على أهمية التفرد و التميز Individuation التي تستمر مدى الحياة و التي تنظر للطاقة الجنسية في مفهوما الواسع و الأعم .
هذا كان كما قلنا في المقدمة عرض موجز و مختصر لأهم أفكار عالم مهم في علم النفس . أفكاره وصوفيته و نظرته للحياة و الدين و الروحانية و الأساطير ربما تكون قد أعاقت وصول أفكاره للغرب . و لكن ماذا عنا نحن هنا في الشرق ؟
فكما نوهنا ربما تكون نظرة فرويد للدين في الغرب قد ساهمت في تبني نظرياته بشكل موسع و إخضاعها للنقد و التحليل على عكس فكر يونج الذي لم يلق رواجاً أو اهتماماً.
و أختم بأن فكر يونج عن الأنيما و الأنيموس لا يمكن أن نفصله عن نظرته العامة و الشمولية لمفهوم الرغبة الجنسيةكما أوضحنا سابقاً بإنها طاقة الحياة . فلا ينبغي علينا أن ننظر لمفهوم الأنيما و الأنيموس كمفهوم جنسي شهواني جسدي.
عملية التفرد و التميز و معرفة كل جوانب شخصيتك و ظلالها تحتاج لمسيرة حياتية بالتعاون مع متخصص محايد يحترم أفكارك و مشاعرك و ميولك و
تطلعاتك و روحانيتك حتى ولو كنت غير مؤمن بإله . وهي كما قلنا عملية مستمرة مدى الحياة و أعتقد إنها أيضاً مؤلمة .
تحياتي
د.شهير طلعت بديع